التعريف بالشيخ
نستعرض في هذه المقالة حياة رجل عظيم استطاع بتوفيق الله وتأييده أن يزيد من تذوق الناس للإسلام الصافي، رجل يصدق عليه قول القائل:
إنَّ الــرِّجَـالَ كُــنُـوزٌ لَــيْـسَ يَـدْرِيـهَـا *** إِلا مُـــرَادٌ تَـحَـلَّـى مِـــنْ مَـعَـانِيهَا
فـي الأَرْضِ أَجْـسَامُهُمْ وَالْـعَرْشُ مَـقْعَدَهُمْ *** قُـلُوبُهُمْ صَـفَتْ وَاللهُ هَادِيهَا
هُمُ الشُّمُوسُ لِشَرعِ الْمُصْطَفَى *** وَهُمُ سَفِينَةُ الْوَصْلِ بِسْمِ اللهِ مٌجْـــرِيهَا
فهو كنز من كنوز العصر الذي عاشه، وذخيرة من ذخائر العصور التي تليه، رجل غلب معناه حسه فطارت روحه تتنسم عبير الحقائق والفهوم عن الله، هدى الله قلبه فصفا، وتحقق بالشريعة وتشرع بالحقيقة حتى جمع بينهما، فهو الجامع بين الشريعة والحقيقة، الفرد المحمدي النوراني العارف بالله ، الدال على الله ، أبو الفيوضات و الإمدادات، و معدن الأسرار و البركات ، من أقامه الله في وقته لإحياء طريقته و بسط عليه من الأنوار المحمدية ما يستمد به كل من اقتدى به من المحبين أزواجا و أفرادا سيدي محمد بن الحبيب بن الصديق الأمغاري الفيلالي.
أصله و ولادته و نشأته
ولد بفاس عام 1290/1871م. أصل سلفه من مراكش، وينتسب لمولاي عبد الله أمغار دفين (عين الفطر) وحفيده مولاي عبد الله بن احساين دفين بلدة تمصلوحت وهو بيت مبارك أنجب أعلاما وأئمة ساهموا بحظ وافر في نشر العلم والصلاح ببلادنا، وأولهم مؤسس "رباط تيط" الشيخ أبو عبد الله أمغار، الذي قال عنه ابن عبد العظيم الأزموري في كتابه: "بهجة الناظرين وأنس العارفين"2 إن شهرته امتدت من الإسكندرية إلى السوس الأقصى، على طول فترات حكم كل من يوسف بن تشفين وابنه علي بن يوسف الذي كان يعتبر أبا عبد الله أمغار "شيخ المشايخ" وقدوة الأولياء وعهدة الأصفياء. أما حفيده محمد أمغار الصغير فهو شيخ الإمام محمد بن سليمان الجزولي، وكان سببه في الاتصال بالله ومعرفته خلال خلوة دامت أربعة عشر عاما تحت ظل الشيخ3 .
يقول ابن قنفذ متحدثا عن آل بني أمغار في كتابه، "أنس الفقير وعز الحقير :" هذا البيت4 أكبر بيت في المغرب في الصلاح لأنهم يتوارثونه كما يتوارث الناس المال، ومازالوا يتوارثونه، والغالب إنهم أعلام في الصلاح رضي الله عنهم"5 . وقال ابن الزيات التادلي في التشوف: "إنهم يتوارثون الصلاح خلفا عن سلف".
من المؤلفات التي اهتمت بذكر نسب آل أمغار نذكر:
- بهجة الناظرين وأنس الحاضرين في مناقب رجال أمغار الصالحين لابن عبد العظيم الأزموري (الحفيد)؛
- الوسائل والزلفى لمقام الذكر لأبي عمران موسى بن علي الزناتي؛
- مطالع الأنوار في كرامات أسلاف بني أمغار لمحمد بن علي الهنائي؛
- تحفة الأصفياء في تعريف الأولياء للهنائي أيضا؛
- الأخبار في تعريف كرامات الشرفاء بني أمغار لمحمد بن عبد العظيم الأزموري (الجد)؛
وغيرها من المؤلفات المعروفة ك"مرآة المحاسن" للعربي الفاسي و"التشوف" للتادلي و"دوحة الناشر"لابن عسكر و"الإعلام"للتعارجي.
وقد ذكر صاحب كتاب "بهجة الناظرين" أن نسب بني أمغار يرجع إلى المدينة المنورة وأول من دخل إلى المغرب منهم: إسماعيل أمغار جد الأمغاريين، وأخواه أبو زكريا يحيى جد الزكراويين من أصل حاحة، وأبو يعقوب يوسف جد الشتوكيين، وكان سبب انتقالهم إلى المغرب يرتكز على رؤيا صالحة رآها الإخوة الثلاثة تستحثهم على الرحيل إلى المغرب، وبعد نزولهم من بلاد تيط، انتقل أبو زكرياء إلى حاحة وأبو يعقوب إلى شتوكة، واستقر إسماعيل بقرية تيط. و مهما يكن من صدق هذه الرواية من عدمه، فقد احتفى أهل البلد بإسماعيل وزوجوه ابنة شيخهم وولد له أبو جعفر إسحاق، فنشأ على سيرة أبيه في الدين والعلم والصلاح، فلما توفي قام مقامه فاعتنى بتوسيع مقامهم وعمارته فاقتلع الأشجار واستخرج عينا صغيرة، وبني دارا وبنى بإزائها مسجدا وحفر بقربه بيرا فانحاش إليه الناس وعمروا معه ذلك المكان"6 . ثم خلفه ابنه أبو عبد الله محمد الذي اشتهر صيته فورث عنه العلم والصلاح. وقد انتقل أحد أجداد سيدي محمد بن الحبيب إلى تافيلات و خاصة إلى قصر أولاد يوسف بالريصاني واستقر هناك، فقد ذكر يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي في كتابه "نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر"7 أن محمد بن الحبيب هو من ذرية الشيخ علي بن حساين أمير قصر أولاد يوسف بتافيلالت الذي هو من ذرية الشيخ عبد الله بن حساين دفين تمصلوحت. وقد بقي عقبه إلى أن هاجر والده سيدي الحبيب الى فاس، وكان من أهل الصلاح والفلاح، فنشأ الشيخ على أخلاق مرضية وشيم عالية محفوفا من طرف والديه بكامل الرعاية والمحبة، إذ كان رضي الله عنه وحيد والديه.
الدراسة العلمية
لما بلغ سن التمييز أرسله والده إلى الكتاب القرآني بقنطرة أبي الرؤوس بحومة الشرابليين عام 1295/1876م، فحفظ القرآن الكريم في مدة وجيزة على يد الفقيه سيدي ابن الهاشمي الصنهاجي، وعلى يد الفقيه سيدي أحمد الفيلالي بكتاب قصبة النوار، وفي هذه الأثناء حدث أن زار الكتاب أحد أرباب الأحوال فجعل ينظر إلى التلاميذ بعين الفراسة، وتنبأ للشيخ سيدي محمد بن الحبيب أن يكون عالما ورعا شخيا مربيا.
1- أخذ عن الفقيه العلامة سيدي محمد الإيراري الأجروميه والسلم بناني وطرفا من الشمائل المحمدية للترمذي. ثم التحق بجامع القرويين سنة 1881م/1300هـ، و عمره تسع و عشرون سنة فأخذ عن:
- عن أحمد بن الخياط الزكاري8 : المرشد المعين ،طرفا من البخاري، و الحلم العطائية.
- عن أبي بكر بن العربي بناني9 : التحفة بشرح التاودي، الجامع في آداب العالم والمتعلم لخليل.
- عن أحمد بن الجيلالي الأمغاري10 :مختصر خليل بالزرقاني و بناني و الخرشي.
- و عن عبد الله البدراوي11 : شرح البخاري بالقسطلاني.
كما أخذ عن غيرهم من فطاحل العلماء، وكان رضي الله عنه محبوبا من طرف جميع أساتذته لما رأووا فيه من النجابة وكمال الأدب والاستقامة، ولما أنهى دراسته بالقرويين أجازه كل مشايخه في سائر ما أخذ عنهم من العلوم والفنون، وذلك سنة 1312/1891م. ثم تصدر للدروس بجامع قصبة النوار وجامع القرويين سائر ما درسه عن شيوخه، وكان ممن حضر دروسه علال الفاسي، المختار السوسي وغيرهما.
و في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى الصيت الطيب الذي كان يتميز به الشيخ أثناء تلقينه للعلوم بجامع القرويين، و قد نقل غير واحد من تلامذته ما كان يتمتع به من حسن الشيم و لين الطباع و التوسط في الأمور و الأدب الجم مع كل الناس. فقد كان العلامة المختار السوسي يجل سيدي محمد بن الحبيب –وكان ينعته بالشيخ -ويظهر ذلك في عدة مواضع منها:
- ما ذكره في معرض الحديث عن أخيه الأديب سيدي إبراهيم بن علي، حيث ذهبا معا إلى فاس استتباعا لرحلته العلمية، وذكر أن أخاه أخذ عن سيدي محمد بن الحبيب علوم العربية، وقد ظهرت عليه بعد ذلك علامات النبوغ والنباهة، حتى أصبح لا يجاري في تلك العلوم، وذلك بعد أن كان مستواه غير جيد كما عبر ذلك أخوه المختار، (ج2، ص: 285) من المعسول.
- ذكره ضمن شيوخه عند انتقاله إلى فاس لطلب العلم، درس عليه الشفا، التحفة، الزقاقية) (المعسول ج 8، ص:267).
- كما ذكره ضمن شيوخ القاضي أحمد بن أحمد أوعام والذي رجع بعد ذلك إلى مدينته بتزنيتوأحيىالحياة العلمية بها. (المعسول ج13، ص 237).
أما عن اللقاء الأول الذي جمع المختار السوسي بالشيخ محمد بن الحبيب فيقول عنه: "... وقد كنت مررت بفاس سنة 1339 (حوالي 1920)، إلى زاوية بوبريج في قبيل بني زروال مع مولاي الهادي الجبلي رحمه الله، والتاجر سيدي عبد العزيز الشرايبي وسيدي بلقاسم الدباغ، ثم دارت الحلقة فتولى المترجم -ذكره الله بالخيرات- رياستها فكان ذلك أول ما رأيته فعرف أنني ابن الشيخ الدرقاوي سيدي الحاج علي المشهور، فسرعان ما تعانقت القلوب. ثم نزلت في المدرسة البوعنانية أول سنة 1343، فكان هو الذي فتش عني واستدعاني، فوصل الأسلاك من جديد، ثم صار يتعهدها دائما بفضل منه، فكان قلما يغب زيارة بيتي فلا تشعر حتى يكون في وسطه، فكان له دائما الصدارة عندنا كلما قدم ولمجاورته للمدرسة، كان الطلبة يأخذون عنه، فكنت أحدهم فكان يبتهل بي من بينهم كثيرا فأكون دائما أنا السارد.
و يتابع المختار السوسي متحدثا عن شيخنا : "..ومن عاداته أنه يقدمني دائما إلى العلماء الذين لا أعرفهم ولا يعرفونني بمناسبات. فبسببه تعرفت بالأستاذ سيدي الفاطمي الشرادي12 ، العلامة السني الكبير وبسيدي عبد الكريم بنيس13 التيجاني الشهير، فقد حضرت عنده في داره معهما، كما حضرت أيضا في دارهما معه."14 و من بين رائق الميزات التي كان يتمتع بها الشيخ ابن الحبيب اتصافه بخفض الجناح و مراعاة الأحوال و المقامات والحرص على التواصل مع الشيوخ و العلماء مهما كان توغلهم في مذهب معين. يقول عن ذلك :" ... والعجيب منه أنه يعرف كيف يماشي كل إنسان، فبنيس من المتوغلين في التيجانية وسيدي الفاطمي إذ ذاك قد نفض يده من التيجانية وصار يؤلف تأليفا ضد أمثالها، وأنا إذ ذاك متوغل في مبدئي الجديد، الذي أدرك فيه التوسط، فكان دائما يجتمع مع الجميع ويقدر أن يتصل دائما بسعة صدره بجليسه"15 و نجد عالما آخر أخذ عن الشيخ ابن الحبيب وتحدث عنه هو العلامة المؤرخ عبد السلام بن عبد القادربن سودة16 في كتابه "سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال" حيث يقول : "الشيخ العلامة المشارك الحجة الحافظ المطلع، المدرس، المتبتل، الصوفي شيخ الطريقة في وقته". وقال عنه: "..أخذ عن الشيخ أحمد بن الجيلالي الأمغاري، وكان هو السارد بين يديه في قراءة المختصر، (أي خليل)، وبلغني أنه قال: "منذ ترك السرد بين يدي ابن الحبيب ما وجدت مثله لأنه كان يعرف محل الوقف والسرد وينطق بالجمل في محلها". ويقول ابن سودة متحدثا عن نفسه وهو يأخذ عن الشيخ واصفا إياه بالتفرد في باب التفسير: "..حضرت في أول الطلب بعض دروسه التي كان يلقيها بمسجد قصبة الأنوار بدرب باب المحروق بطالعة خاصة حيث كان مستوطنا بها وهي دروس في علم التفسير وهو الوحيد الذي كان"17
السلوك الصوفي
كان الشيخ سيدي محمد بن الحبيب ذا طلعة بهية منذ صغره، وكان مقبولا ومحبوبا من كل من يلاقيه ويسمع عنه، وكان ذلك عطاء من الله تعالى يمنحه لعباده الصالحين: فيسري حبهم في الأرواح وتنطلق الألسنة بالثناء عليهم ويوضع لهم القبول في الأرض، قال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا) وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله العبد نادي جبريل أن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض). وقد تمثل ذلك في ملاحظته من طرف عدد كبير من الأولياء والصالحين ممن عرفوا معدنه النفيس، وقد روى سيدي محمد بن الحبيب عن نفسه شيئا من ذلك؛ فقد حكى أنه عندما كان في مرحلة حفظ القرآن بالكتاب أتى معلمه الفقيه الصالح سيدي أحمد الفلالي أحد أولياء الله تعالى فخاطب الفقيه مشيرا إلى التلاميذ ناظرا إليهم بعين الفراسة وقال: هذا سيكون جزارا وهذا خياطا وهكذا، إلى أن أشار إلى شيخنا فقال هذا سيكون عالما كاملا ورعا ذاكرا .
وكان ممن تنبأ له وأجفر به العارف بالله سيدي محمد الغياثي الذي كان يحبه محبة عظيمة، وقد انتفع به الشيخ واستفاد من نظرته ودعائه. وكان ممن علم بخصوصيته وفضله على صغر سنه الشيخ النقيب عبد الله البدراوي وكان يقول لعم الشيخ سيدي الصديق "كن من ولد أخيك سيدي محمد بن الحبيب على بال فإنه سيكون له شأن عظيم"18 . وعموما فقد كانت محبة الأشياخ له منذ صغره وملاحظتهم إياه و محبته لهم ديدنه حيث قال: "ومما أنعم الله علي به اجتماعي بكثير من العارفين بالله تعالى، فمنهم من انتفعت بنظرته ودعائه الصالح ومنهم من انتفعت بمذكرته والعمل بنصيحته والاقتداء بأحواله.
مر شيخنا سيدي محمد بن الحبيب أثناء سيره إلى معرفة الله عز وجل بمراحل ثلاث:
1- مرحلة الاضطرار.
2- مرحلة التلقي.
3- مرحلة الاطمئنان.
1- مرحلة الاضطرار: تبتدئ من حصوله القدر الكافي من العلم الظاهر وكان إذ ذاك يدرس بجامع قصبة النوار، وكان قد شغف بمطالعة كتب السادة الصوفية، ك"الإحياء" و"الحكم العطائية"، و"الطبقات" و"الوصايا"، وتعلقت همته بمن يجمعه بالله تعالى، فأقبل إقبالا كبيرا على الطاعات خوفا من الموت وأمواله، فاشتغل بالقيام والصيام والذكر والدعاء والتضرع. يقول رضي الله عنه: "فصار العلم يثقل علي والعبادة والانقطاع إلى الله تعالى تخف علي وانا أقول في نفسي: المقصود من العلم هو العمل، والقدر الواجب علي حصلته فما لي وللفضول، فلا أكون مفتيا ولا قاضيا، وحصلت لي حيرة عظيمة واضطرت إلى الله تعالى في من يأخذ بيدي ويرشدني إلى طريق الصواب".
2- مرحلة التلقي: تبتدئ عند التقائه بالشيخ محمد لحلو، وكان قد التقاه وتعرف عليه في قصة معروفة مذكورة في ترجمة "اتحاف اللبيب19" مكث معه الشيخ خمس سنوات تعلم منه:
- إن الارتقاء في مدارج العرفان لابد له من سلم ودرجات وصبر على يد أهل الاختصاص
- تعظيم الصوفية ومطالعة كتبهم.
و في هذه المرحلة كان التقاؤه بالسيد الشريف مولاي سعيد البلغيثي: وكان قد جاءه برسالة من سيدي العربي الهواري، فكان أن أخذ عنه الطريقة البدوية الدرقاوية وبقي معه سنة كاملة استفاد منه:
- التعمق في دراسة وفهم كلام الصوفية في كتبهم كقوة القلوب، والأحياد وعرارف المعارف وشرح ابن عباد للحكم وكتب الشعراني والوصايا لابن عربي.
- حثه على مخالطة الناس ونفعهم والانتفاع بهم، والتحلي بالحلم والأناة وكان الشيخ جلالي الطبع لا يستطيع احد مصاحبته ومخالطته لشدته وهيبته كما التقى أيضا بالشيخ سيدي ماء العينين وأذن له في جميع كتبه التي ألفها وقد حصلت له منه استفادة كبيرة توجت بالرابطة قلبية القوية التي جمعته بخليفته ووارث سره سيدي أحمد الشمس الذي بقي مصاحبا له حتى هاجر إلى المدينة المنورة وتوفي بها.
3- مرحلة الاطمئنان والوصول: وتبتدئ منذ اتصاله بالشيخ سيدي محمد بن علي بعد أن تصدر للمشيخة بعد وفاة الشيخ سيدي العربي الهواري، حيث كتب إليه وأمره بالقدوم إلى مراكش، فامتثل لأمره وقدم عليه، ففرح به غاية الفرح وقال له: "جاءتني الطائفة كلها لما جئتني أنت، وقال لي مرة أخرى في بشارة أخرى: "أنت عندنا في طائفتنا بمنزلة ابن عطاء الله من الطائفة الشاذلية، فكما أن الله تعالى أحيا الطريقة الشاذلية بابن عطاء الله، كذلك يحيى الله تعالى بك هذه الطائفة". فأخذ وجدد عليه العهد، وخرج معه في سياحة فيما يزيد عن مائة مريد مكث فيها شهرين، ثم أمره بالرجوع إلى فاس نائبا عنه في الدلالة على الله20 .
استفاد سيدي محمد بن الحبيب من شيخه سيدي محمد بن علي -طيلة السنوات الأربع التي قضاها معه- ما يلي:
- فضل المذاكرة مع الفقراء خاصة في الضروري من الدين (المرشد المعين) وكذا بعض كتب التصوف التي تحث على مقام الإحسان.
- تعظيم المخلوقات بأسرها، فكان لا يرى شريفا ولا عالما إلا وقام بتعظيمه حتى أنه أصبح يعظم العالم كله من حيث كونه معلوم العلم الإلهي وأثر تخصيص إرادته وإبراز قدرته، فمن هذه الحيثية عظمه العارفون بالله.
- الذكر بالاسم المفرد بكيفية تلقاها سيدي محمد بن علي عن سيدي أحمد البدوي وهي استحضار قول ابن عطاء الله: "لولا ظهوره في المكونات ما وقع عليها وجود إبصار".
وقد حصل له من هذا الذكر فائدة عظيمة وأنوار وحصل له مراقبة لله عز وجل ومشاهدته المذكورة في مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك21" .
كتبه د. عبد العزيز أبايا
المراجع
[1] - آثرت في هذا الجزء أن أبتدئ بذكر نتف من حياته، متعرضا لأصله ومولده ونشأته ودراسته العلمية وتصدره للتدريس ومراحل سلوكه الصوفي؛ على أن أتمم بجزء ثان أتطرق فيه لظروف تأسيسه للطريقة وانتقاله إلى مدينة مكناس و ما يلي ذلك من استنتاجات. و قد كان المصدر الأساسي للمعلومات الواردة في هذه المقالة مأخوذا من ترجمة الشريف مولاي عبد الكبير البلغيثي المسماة إتحاف اللبيب بترجمة الشيخ سيدي محمد بن الحبيب و هي مطبوعة بآخر ديوان بغية المريدين السائرين للشيخ.
[2] - مخطوط بالخزانة العامة عدد 3770.
[3] - الشيخ الجزولي هو أستاذ سيدي عبد العزيز التباع، وهذا هو شيخ الغزواني الذي عمد إلى تربية الشيخ عبد الله بن الحسين الأمغاري حفيد مولاي عبد الله أمغار، وقصتهما في تأسيس "تامصلوحت" مشهورة.
[4] - تذكر المصادر أن اول من تلقبب بامغار هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن ادريس صاحب سوس بن ادريس الثاني بن ادريس الأول، وأمغار بلغة صنهاجة هي (الرئيس أو الشيخ).
[5] - انظر معلمة المغرب ج3 ص 767.
[6] - مخطوط بهجة الناظرين ص 66-70.
[7] - نثر الجواهر ص : 1141
[8] - المتوفى سنة 1925 م والمولود 1836 كان درقاوي الطريقة أخذها عن سيدي عبد الواحد بناني، وهو من قدم لرسائل الشيخ العربي الدرقاوي رحمه الله، دفن بقرب زاوية الشيخ علي الجمل.
[9] - الفقيه العلامة الجليل سيدي أبو بكر بن العربي بناني، من جهابذة فقهاء فاس، توفي زوال يوم الثلاثاء 14 جمادى الأولى عام 1330هـ، ودفن بضريح سيدي بن يحيى الشاوي بفاس.
[10] - نقيب الأشراف الأدارسة في وقته، الدرقاوي طريقة المتوفي سنة 1314/1934م، كان يجفر لسيدي محمد بن الحبيب الأمغاري ويقول لعمه الصديق: كن من ابن أخيك على بال فسيكون له شأن.
[11] - من أعلام فاس، ويها كان مولده سنة 1441 ه،، كان صوفيا مخلصا أخذ عن سيدي عبد الوهاب بن الأحمرالطريقة التيجانية، توفي سنة 1316/1899 بفاس ودفن بزاوية الشيخ أبي يعزى.
[14] - الفقيه العلامة سيدي محمد الفاطمي بن محمد الشرادي. ولد بمدينة فاس عام 1485هـ، وبها أخذ العلم عن جماعة من العلماء. من بينهم قاسم الرايس. ومحمد بن العربي الصقلي. ومحمد بن التهامي الوزاني. ومحمد بن محمد بن عبد السلام كنون. وأحمد بن الخياط. ومحمد بن قاسم القادري. ومحمد جعفر الكتاني. وغيرهم.
[13] - الفقيه العلامة الشهير سيدي عبد الكريم بن العربي بنيس الفاسي دارا ومنشأ وقرارا، ولد رحمه الله بالعقبة الزرقاء بمدينة فاس في شهر ذي القعدة الحرام سنة 1467هـ من تآليفه نظم للحكم العطائية سماه "واضح المنهاج بنظم ما للتاج" توفي رحمه الله يوم الاثنين 1 جمادى الأولى عام 1350هـ ودفن خارج باب الفتوح بفاس.
[14] - انظر كتاب "شيوخ المختار السوسي من الحضريين" لعبد الوافي بن المختار السوسي.
[15] - في هذا السياق نذكر أن الشيخ محمد بن الحبيب كانت له علاقات متينة مع شيوخ عصره من الطوائف الأخرى، وكان من بينهم العلامة أحمد سكيرج الذي ذكر في كتابه "تيجان الغواني في شرح جواهر المعاني" أن سيدي محمد بن الحبيب أمد الفاطمي الشرادي بنسخة مفقودة من كتاب "المقصد الأحمد في التعريف بسيدي عبد الله أحمد لعبد السلام القادري وذلك في سياق الجدل الذي أثير حول انتحال كتاب جواهر المعاني لعلي حرازم برادة من كتاب "المقصد".
[16] - ولد بمدينة فاس عام 1319هـ وتوفي في مركز بوقنادل من ضاحية سلا، فجر يوم الأحد 29 شعبان عام 1400هـ، الموافق 14 يوليوز 1980م، بعد عمر ناهز 81 سنة، من تصانيفه "دليل مؤرخ المغرب الأقصى"، له طبعات، و"زبدة الأثر مما مضى من الخبر في القرن الثالث والرابع عشر"، جعله ذيلا لكتاب "نشر المثاني" للقادري، و"إتحاف المطالع بوفيات أهل القرن الثالث عشر والرابع".
[17] - سل النصال ضمن "موسوعة أعلام المغرب" الجزء 9 ص : 3436
[18] - انظر إتحاف اللبيب ص 148 لمولاي عبد الكبير البلغيثي - مطبوع مع ديوان الشيخ – طبعة دار الرشاد الحديثة 2011.
[19] - انظر ص: 132 -133
[20] - إتحاف اللبيب ص : 134.
[21] - انظر المصدر السابق ص: 134-135.
التعليقات (0)