شارك المقال

العرفان بين الاستقالة والاستنارة.. الجزء 2 قراءة في مواقف محمد عابد الجابري من التصوف الإسلامي

-تتمة - جــ2

وبهذا يقرر وبكل وثوقية أن «المصطلح العرفاني في الإسلام ليس إسلامي المضمون ولا عربي الأصل، بل هو مصطلح منقول إلى الإسلام وإلى العربية مثله في ذلك مثل الموقف العرفاني نفسه، والنظريات العرفانية ذاتها الصوفية منها والشيعية»[44].

وحتى الحديث النبوي الوارد في الصحاح «إن الله خلق آدم على صورته»، الذي تداوله الصوفية المسلمون كما تداوله غيرهم من علماء الإسلام على السواء، سينزل عند الجابري إلى مستوى القول المأثور. وما دام أنه ورد وبصورة مشابهة في ثقافات سابقة على الإسلام، فإن تهمة التهرمس ستطاله أيضًا[45]، ما ينمّ عن أحد أمرين: إما أن الجابري لا يدري أن هذا الحديث وارد في الصحيحين، وإما أنه لا يعترف بالصحيحين كمرجعية دينية موثوقة.

فقد روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن»[46].

وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»[47].

بل إن هذا الحديث لشهرته قد أثار جدالًا واسعًا بين الفقهاء والمتكلمين على السواء، حول الضمير الهاء منصورته، هل هو عائد على الله أو على آدم؟

ومما روي عن ذلك الصراع أن الإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ) «هجر فيمن هجرهم من أهل الكلام و الجدل أبا ثور صاحب الشافعي، لأن هذا لما سئل عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله خلق آدم على صورته، قال: الهاء عائدة على آدم». وهذا ما أغضب الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) فقال: ويله وأي صورة كانت لآدم يخلقه عليها؟ ويله يقول: إن الله تعالى خلق على مثال، فأيّ شيء يعمل في الحديث المفسِّر: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن؟ فبلغ ذلك أبا ثور، فجاء واعتذر وحلف وقال: ما قلتُ عن اعتقاد وإنما هو رأيٌ رأيته، والقولُ ما قلتَ وهو مذهبي»[48].

لقد أوردنا هذه الحادثة لا لنخوض في الصراع العقدي الذي دار في الساحة الإسلامية حول هذا الحديث، ولكن لندلل فقط على أنه حديث صحيح وليس قولًا مأثورًا تفرد به الصوفية، وأن تشابه النقاشات التي دارت حوله في الثقافة الإسلامية، مع النقاشات التي حدثت في الثقافات السابقة عن الإسلام، لا يقف دليلًا على تهرمس الصوفية عندما استعملوه، كما ادّعى الجابري، وإلَّا لكان سيدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هرمسيًّا، ومن بعده كلّ المحدثين والفقهاء والمسلمين جميعهم!!!

وفيما يتعلق بالتأويل العرفاني للقرآن الكريم، والذي ظهر عند الصوفية باسم التفسير الإشاري، فإن الجابري يصل -بعد تحليلات عميقة- إلى أنه مجرد تضمين[49] لا أكثر ولا أقل، أي أن الصوفية لم يبدعوه لا عن استنباط، ولا عن إلهام، ولا عن كشف، كما يزعمون، وإنما هو عبارة عن «أفكار مستسقاة من الموروث العرفاني القديم السابق على الإسلام»[50]. حيث إنهم وجدوا في النصوص الدينية الإسلامية ما يشبهها من مفاهيم عرفانية مستعمَلة من قبلُ في الثقافات السابقة وبصورة مفتوحة[51]، فعملوا على تضمين الوافد بالأصيل، وأنتجوا مدوّنة تأويلية مدعين أنها وردت عليهم كشفًا وإلهامًا.

وحتى يبعدوا عن أنفسهم شبهة الاستيراد من الموروث العرفاني المنحدر من العصر الهيلينستي والفلسفة الدينية الهرمسية «اجتهدوا في جعل ظاهر هذه النصوص يتضمن الموروث العرفاني كباطن»، أي إنهم وبكل صراحة أظهروا النصوص الدينية المسموح بها شرعًا، وأخفوا في ضمنها تلك الأفكار العرفانية المستوردة والمستهجنة من طرف الفقهاء الذين «اعتبروا التأويل الباطني شيعيًّا كان أو صوفيًّا دخيلًا على الأفق القرآني».

وبناء على هذا، ووفق ما تكوّن لدى الجابري من خبرة خلال تعامله مع النص القرآني والنصوص العرفانية الصوفية منها والشيعية، يصل بنا إلى نتيجة أساسية وهي: «أنّه ما من فكرة عرفانية يدّعي العرفانيون الإسلاميون أنهم حصلوا عليها من طريق الكشف سواء بواسطة المجاهدات والرياضات أو بواسطة قراءة القرآن، إلَّا ونجد لها أصلًا مباشرًا أو غير مباشر في الموروث العرفاني السابق على الإسلام».

وهذا التضمين يشمل كل إنجازات الصوفية، والتي تشمل المعاني المستنبطة من القرآن الكريم والمصطلحات التي يدّعون أخذها من القرآن والحديث[52].

والعجب كل العجب كيف يُبيح ناقد العقل العربي لنفسه أن يقرأ هو نفسه القرآن الكريم قراءة حداثية على ما فيها من مخاطر ومزلقات، فيستنبط منها ما شاء له أن يستنبط، ويذهب فيها كل مذهب[53]، ثم يدين شيوخ التصوف إن قرؤوه واستخرجوا منه ما تراءى لهم فيه أسرار وحقائق وواردات انكشفت لهم إثر مجاهداتهم وتطهرهم من أدناس القلوب. لا بل ويحرِمهم حتى من أحقيّة تلك الإبداعات بحجة أنها لا تعدو أن تكون مسروقات هرمسية أو بعبارة ألطف «تضمين»!!.

ولسنا نشك في أن الجابري، وهو الذي مسح التراث العربي مسحًا، قد مرّ عليه أن رجال الصوفية كالغزالي (ت505هـ)، وابن عربي (ت638هـ) وعبد الغني النابلسي (ت1143هـ)، وغيرهم، كانوا يؤكدون صراحة أن تأويلهم للنص القرآني يدخل في باب الإشارة فقط لا في باب التفسير، لأن تأويلهم لا يلغي المعنى الظاهري للقرآن، وبالتالي فهم يختلفون فيه عن الفرق الباطنية التي اتخذت التأويل أساسًا للفهم والعمل[54].

ويمكننا أن نسعف القارئ الكريم بلطائف إشارية ذكرها بعض أئمة التصوف في تأويلهم لقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾[55].

فالنعلان هما الصورة الظاهرة والباطنة أي الجسم والروح عند النابلسي[56]، وهما الكونان أي الدنيا والآخرة عند الغزالي[57]، لأنه لا يمكن وطءُ ذلك الوادي المقدس إلَّا باطّراح ذينك النعلين اللذين يُسار بهما في عالم الأغيار.

أما الوادي المقدس فهو الذاتُ، الوجودُ الحقُّ المقدّسُ عن كلّ شيء محسوس أو معقول... إنه وادي طُوَى لانطواء العوالم كلّها فيه واختفائها في وجوده ولانعدامها في حقيقته[58].

هكذا تعامل الصوفية مع القرآن الكريم كنص مقدس مفتوح، مثبتين ظاهر الآيات كما وردت في ظروفها وسياقاتها، لكن هناك معانٍ ولطائف انقدحت في قلوبهم، كما تنقدح لكل قارئ، فصرحّوا بها، دون أن يدّعوا أنها الحقيقة المطلقة، وذلك عين الإبداع الذي ينادي به الآن فلاسفة اللغة المعاصرين حيث يعتبرون التأويل أفقًا مفتوحًا، وقراءة منتجة، ولحظة تثوير للمعنى، وعملية تفتيش في عوالم النص الخفية، تتحكم فيها جملة من المعطيات الخاصة التي تطمئن إليها الذات المتلقيّة[59].

وبعد كل هذا ماذا ترك الجابري يا ترى من آراء المستشرقين حينما أخرج التصوف من الدائرة الإسلامية وأرجعه إلى مصدر هرمسي؟

إننا نفهم جيّدًا لماذا انتهجت الاستراتيجية الاستشراقية طرقًا ملتوية في تزييف التاريخ الإسلامي ونزع الصبغة الإسلامية عن التصوف الإسلامي، وربطه بمصادر هندية، أو مجوسية فارسية، أو كونفوشيوسية، أو بميثيولجيات إغريقية، أو بغنوصيات عبرانية ومسيحية، لكن ما لا يمكن فهمه حقًّا هو مقاصد الجابري حينما ذهب في قراءاته المتطرفة لتاريخ التصوف مذهبًا خرج فيه عن حدود الاعتدال الذي يُفترض أن يتوفّر في مفكر مثله.

إننا نشعر ونحن نقرأ ما كتبه، كأننا أمام مدوّنة استشراقية أعيد إنتاجها في بيئتنا العربية مرة أخرى، ولكن بتخريج عربي.

ورغم أنه حاول نفي أي علاقة تربطه بالدراسات الاستشراقية بقوله: «لقد اتخذت قرارًا ألزمتُ به نفسي بكل صرامة، وهو أن أضع كل ما كتبه المستشرقون أو غيرهم حول تراثنا بين قوسين... وأكثر من ذلك سلكتُ إزاء ما كتبوه مسلك الذي لا يسمع ولا يرى»[60].

قلت: رغم كل ما ذكر، فإن كثيرًا من القرائن تؤكد أنه انغمس بشعور أو بدون شعور، إلى أذنيه في منهج الشظايا الذي انتهجه بعض المستشرقين، حيث إنه ما من مرة يجدُ في المدوّنة الهرمسية شظيّة ووجد في أقوال المتصوفة أو الفلاسفة أو متعاطي علوم الأوائل، شظية تناظرها إلَّا وسارع في استصدار حكم غير قابل للاستئناف بالتهرمس[61].

ولا يسعنا إلَّا أن نتفق مع المفكر العربي جورج طرابيشي (1939م-.......) الذي اكتشف أن أفكار الراهب الدومينيكاني فستوجير (P;Festugière)[62] (1898-1982م) كانت الخلفية النظرية التي وجهَّت الجابري في كل ما كتبه في الفصلين الطويلين عن «العقل المستقيل» وعن «العرفان» في كتابيه «تكوين العقل العربي»، و«بنية العقل العربي» على التوالي[63].

لقد ذهب فستوجيير إلى أنه في أواخر الحقبة الهلنستينسية، وفي عهد الإمبراطورية الرومانية (أي منذ مطلع التاريخ الميلادي وحتى سقوط روما في القرن الخامس)، تمكّن الشرق الصوفي اللاعقلاني من غزو قلعة العقلانية اليونانية وتحطيمها، حيث راجت ظاهرة الهرمسية المتمثلة في كتب «الحكمة المنزلة» المعْزُوّة إلى مجوس فارس أو إلى العرافين الكلدانيين أو إلى الإله المصري هرمس (= طوط)[64].

إن هذا التأثير الفيستوجيري -إن صحّ التعبير- في موقف الجابري من التصوف، يدخل ضمن ما حذّر منه إدوارد سعيد (1935–2003م)، من أن الاستشراق، رغم إخفاقاته وعرقيَّته، وجهازه الفكري الرقيق، يزدهر بأشكال عديدة حين يستعيد العرب تحليلاته للعقل العربي الإسلامي[65].

لقد أراد الجابري تصفية الحساب مع ركام اللامعقول في بنية العقل العربي[66]، فاختار أن ينْظمّ إلى الاتجاه العقلاني العلمي الذي ظهر في المغرب والأندلس والذي يتكون من ابن حزم، ابن باجة، ابن رشد، الشاطبي، ابن خلدون، وابن مضاء القرطبي في النحو، وابن بصال في الفلاحة التجريبية، والبطروجي في ميدان الفلك. فهؤلاء يتفقون جميعًا -وإن اختلفت مجالات نشاطهم- في نقد العرفان بكل عناصره[67].

وعلى كل حال فإن هذه الجغرفة الإبستمولوجية التي تبنَّاها[68]والمتمثلة في الشرق العرفاني المنبوذ، والمغرب العقلاني المحبوب، كرست ضربًا من القطيعة بين المغرب والمشرق، ولقيت صدى غير محمود في الأوساط الثقافية[69] حسب المفكر الأردني فهمي جدعان (1940م-.......)، لأنه لا الثقافة العربية الإسلامية ولا الثقافة اليونانية المكتوبة باليونانية قد عرفتا مثل ذلك التمييز الإبستمولوجي بين غرب عقلاني وشرق لا عقلاني، وإنما المركزية الأوروبية هي التي اصطنعت مثل ذلك التمييز.

وهذا ما قام به فعلًا مؤرخ الأديان الفرنسي هنري شارل بويش (1902-1986م) في كتابه «البحث عن الغنوص en quête de a gnose»، والذي قلده الجابري، وروّج لأفكاره في الحقل التداولي للثقافة العربية المعاصرة[70].

لقد ظل الجابري يبشر بتحليل عقلاني إبستمولوجي موضوعي، للتراث، ولكنه ما استطاع هو أن يتجاوز أفق الأيديولوجيا المضادة للعرفان عامة، وللتصوف خاصة، فهاهو يفصح عن أيديولوجيته في قوله: «...قبل خمسين سنة كان المغرب حافلًا بالطرق الصوفية، وكان لكل شيخ طريقه، وكان كل فرد يؤمن بشيخ الطريقة أكثر مما يؤمن بالله ورسوله[71]، فقامت الحركة الوطنية وكانت هي الحركة السلفية في الوقت نفسه، فوجهنا حملة شعواء ضد هذه الطرق، فتحوّل الأمر، وقُضيَ على الفكر الطرقي[72]، وأصبح الانتماء إلى الحزب وليس إلى الطريقة، وذلك كله بفضل نخبة من السلفيين ونخبة من قادة الحركة الوطنية»[73].

-2- دعوى انحرافية التصوف

بعد أن ينتهي الجابري -على المستوى النظري- من تشويه التصوف الإسلامي وتعريته من إسلاميته، مُرجعًا إياه إلى أصول لا تمت للإسلام بصلة، ومتّهمًا أصحابه بتكريس اللامعقولية في الثقافة الإسلامية، ينتقل إلى تشويهه من جانب آخر يتعلق بالمستوى العملي الأخلاقي.

فإذا كانت الشريعة الإسلامية هي الإطار المشترك والأساسي الذي يُرجع إليه في الحكم على المسلمين التزامًا أو مروقًا، فإن الجابري عمَد إلى هذه المقياس بالذات -مزيِّفًا بعض النصوص- لكي يُقنع المثقفين بأن الصوفية بعيدون عن الشريعة الإسلامية، وبالتالي يتحقق له الهدف المُبيَّت وهو: فصل التصوف عن الإسلام، لا من جهة الأصول فحسب، بل ومن جهة الالتزام بالشريعة أيضًا، أي أنه هرمسي حتى على مستوى العمل، فيقول: «فكرة التحلّل من التكاليف الشرعية فكرة هرمسية الأصل تبناها الإسماعيليون والمتصوفة»[74].

ما الدليل عند الجابري؟

إليك دليله: «قالوا (أي الصوفية): إن الشريعة إنما وُضعت للعامة من الناس أصحاب الظاهر، أما المتصوفة المشتغلون بعلم الباطن، والمنقطعون إلى طلب الحقيقة، أي إلى طلب الاتصال مع الله، فإنهم مُعفون من رسوم العبادات من وضوء وصلاة إلخ بدعوى أنها تشغلهم عن الانقطاع إلى الله»[75].

ونتساءل: مَن مِن الصوفية قال هذا؟

لو أن الجابري ذكر أن ذلك الانحراف صدر من بعض أدعياء التصوف، أو بعض الطوائف الضالة، لكان صادقًا في دعواه، ولكنه يأبى إلَّا أن يطلق أحكامه جزافًا وعلى عواهنها، بكل تعميم، فيخالف المنهج العقلاني التاريخي الذي وعد بانتهاجه.

ولسنا في حاجة إلى تقديم الأدلة –وما أكثرها- على بطلان هذا الافتراء، ولكن حسبنا أن نسوق بعض الأقوال لأئمة التصوف.

ومن ذلك أن رجلًا جاء إلى أبي القاسم الجنيد (ت 297هـ) وقال له: أهلُ المعرفة يصِلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل؟ فقال الجنيد: إن هذا قولُ قومٍ تكلّموا بإسقاط الأعمال، وهو عندي عظيمة والذي يسرق ويزني أحسن حالًا من الذي يقول هذا، فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال عن الله تعالى وإليه رجعوا فيها، ولو بقيتُ ألف عام لم أُنْقِص من أعمال البِرّ ذرّةً، إلَّا أن يحال بي دونها»[76].

وقال (رحمه الله): « لطرق كلها مسدودة على الخلق إلَّا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام»[77].

وقال: «من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة»[78].

ونسوق هذه الوصية من عبد القادر الجيلاني (470-561هـ) لأحد مريديه، جاء فيها: «أوصيك بتقوى الله وطاعته، ولزومِ ظاهر الشرع، وسلامة الصدر، وسخاء النفس، وبشاشة الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى، وحفظ حرمات المشائخ، والعشرة مع الإخوان، والنصيحة للأصاغر والأكابر»[79].

يتبع ------------------------------

[44] الجابري، بنية العقل العربي، ص 374.

[45] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 200.

[46] البخاري، أبو عبد الله بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 6227، ص751.

[47] مسلم، أبو الحسين بن الحجاج، صحيح مسلم، ترقيم وترتيب فؤاد عبد الباقي، الجزائر: دار الرشيد، ط4، 2010م، حديث رقم 6212، ص736.

[48] أبو طالب المكي، قوت القلوب في معاملة المحبوب، بيروت: دار صادر المصوّرة، ب. ت، ص 168. ويقول ابن تيمية: «هذه الأحاديث هالتنا أو لم تهلنا، بلغتْنا أو لم تبلغنا، اعتقدنا بها، وفي الآية الواردة في الصفات: إنا نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها، ولا نُعطّلها ولا نتأوَّلها وعلى العقول لا نحملها وبصفات الخلق لا نشبهها، ولا نعمل رأينا وفكرنا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، بل نؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها، كما فعل ذلك السلف الصالح، وهم القدوة لنا في كل علم». ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق: محمد بن عبد الرزاق حمزة وسليمان بن عبد الرحمن الصنيع، مكتبة السنة المحمدية، القاهرة، ب. ت، ص 150، 151.

[49] التَّضمينُ عند علماء العربية على معانٍ: منها إِيقاعُ لفظٍ موقعَ غيْرِه ومعاملتُه معاملتَه، لِتَضَمُّنِهِ معناهُ واشتمالِهِ عليه.والتَّضمينُ (في البديع): أَن يأْخذَ الشاعرُ أَو الناثر آيةً أَو حديثًا أَو حكمةً أَو مثلًا، أَو شطرًا أَو بيتًا من شعْرِ غيره بلفظِهِ ومعناهُ.

[50] الجابري، بنية العقل العربي، ص 213.

[51] المرجع نفسه، ص 272، بتصرف.

[52] المرجع نفسه، ص 372.

[53] انظر: محمد عابد الجابري، فهم القرآن الحكيم، القسم الثاني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008.

[54] أجنتس جولد تسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة: الدكتور عبد الحليم النجار، مصر: مكتبة الخانجي، 1955، ص261.

[55] سورة طه، الآية 11 - 12.

[56] عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، الكويت: وكالة المطبوعات، 1976، ص 195.

[57] أبو حامد الغزالي، مشكاة الأنوار، تحقيق: د. أبو العلا عفيفي، القاهرة: الدار القومية، 1964، ص 70.

[58] عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، ص194.

[59] انظر: أمبرتو إيكو، التأويل بين السميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم: الدكتور سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000، ص 148.

[60] محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 1991م، ص306.

[61] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام؟ بيروت، لبنان: دار الساقي، ط1، 2004، ص166 بتصرف.

[62] ذكر الجابري أن فستوجير قام بتحقيق النصوص الهرمسية وترجمها إلى الفرنسية في أربعة مجلدات ثم أردفها بدراسة عامة للفكر الهرمسي في أربعة مجلدات أخرى. الأول ظهر سنة 1944، والثاني 1949، والثالث 1952، الرابع سنة 1953. انظر: الجابري، تكوين العقل العربي، ص166.

[63] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام، ص76.

[64] المرجع نفسه، ص 76، 77، بتصرف.

[65] إدوارد سعيد، الاستشراق، نقله إلى العربية: كمال أبو ديب، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط 1، 1981، ص 391، بتصرف.

[66] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 52.

[67] الجابري، بنية العقل العربي، ص 558، 564.

[68] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام، ص12.

[69] انظر الحوار الذي جرى بين المفكريْن فهمي جدعان، والجابري، في الفصل الثالث عشر من كتاب الجابري، التراث والحداثة، ص426.

[70] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام، ص52.

[71] لاحظ كيف تدنى الجابري إلى هذا المستوى حتى اتهم الناس بالكفر والشرك!!

[72] لم يقض على التصوف، بل بالعكس إننا نشاهد إقبالًا كبيرًا عليه من طرف النخب المثقفة في العالم العربي والغربي على السواء.

[73] الجابري، التراث والحداثة، ص334.

[74] الجابري، العقل الأخلاقي، ص484.

[75] الجابري، بنية العقل العربي، ص 278.

[76] عبد الكريم بن هوازن القشيري، الرسالة القشيرية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، ميدان الأزهر، القاهرة، ص19.

[77] المرجع نفسه.

[78] المرجع نفسه.

[79] عبد القادر الجيلاني، فتوح الغيب، الكتاب الثاني ضمن مجموعة تضم سر الأسرار، فتوح الغيب، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 2005، ص138.

 

 

أترك تعليقا



التعليقات (0)